صك غفران لقاتل !

اعلان 780-90

صك غفران لقاتل !


السادة أصحاب الشرف ..
أمثل أمام عدالتكم اليوم منهك الفؤاد مدمى الوجدان ، لأستصرخ ما تبقى من الضمير الإنساني المتخم بالقهر والظلمات ، محاولاً إستجداء العدل لدى الدولة التي غَيّبت عنها إرهاصات السياسية وفلسفات الحروب روح العدالة الفطرية المنبثقة من إنسانيتنا ، حتى أُعمي بصرها وشلت بصيرتها فأصبحت تضخ للعالم كل ما تختلقه من أكاذيب وذرائع واهية ، فتقمص دور الجلاد للضحية وتحاكمه وتهدر حقوق الأموات بعد موتهم فتبرئ قاتليهم وتمنحهم صكوك غفران ليواصلوا ما أقدموا عليه من إجرام .
إن ما سأعرض على حضراتكم اليوم قضية يدنى لها الجبين البشري لما في إحداثياتها وتفاصيلها من بشاعة وإنتهاك لحقوق الإنسان ولما لها من رمزية عميقة في وأد السلام ورفض فكرة التعايش السلمي على أرض فلسطين التاريخية.
فقضيتنا اليوم تدور حول معاناة ناشط فلسطيني تفنن جيش الاحتلال الإسرائيلي ومنظومته القضائية في إبتداع أساليب القتل والتعذيب وإلحاق الأذى والضرر به وبعائلته ، وكل ذنبه هو أرادة الله له ولعائلته أن تكون فلسطينية فدفعت مهر فلسطينيتها غالياً ، فأرتشفت الويلات وأحتضنت الفاجعة تلو الفاجعة نتيجة ممارسات عنصرية هي ذاتها التي تحرم الفلسطينيين من ممارسة حق العبادة  في مدينة القدس دون سواهم من سكان هذا العالم .
وهو ذات السبب الأصيل الذي أدى لتعرض باسم أبو رحمة لما تعرض له من قتل وتعذيب نتيجة إتخاذه من المقاومة السلمية نهجاً في مقاومة آلة الإحتلال العسكرية بشكل تشرعه كل القوانين والأعراف والمواثيق الدولية إلا أن همجية الإحتلال العسكري جعلت فاتورة الإيمان بالسلام ومقاومته التي لا تستند إلى القوة باظةً الثمن على باسم وعائلته.

المحلفين أصحاب الشرف ..
لباسم أبو رحمة المعروف باسم الفيل في قرية بلعين رواية تحاكي رواية كل الشهداء ، فباسم كان شاباً محبوباً في قريته يؤمن بالسلام وصديقاً حقيقياً للكثير من الأجانب والإسرائيليين وأحد أبرز الناشطين في المقاومة السلمية المناهضة للجدار والاستيطان ، وهو شقيق لأشرف أبو رحمة الذي تعرض لاطلاق نار مباشر على قدميه عن بعد متر وﺍحد من قبل أحد ضباط جيش الاحتلاﻝ وهو مقيد اليدين معصوب العينين في تموز 2008 .
 آمن باسم بفكرة السلام وحملها فكراً ونهجاً في النضال والمقاومة ورغم كل ما تعرض له من أذى فكان دائماً يتقدم الصفوف ليصدح صوته بالهتاف حاملاً ورفاقه بعض أغصان الزيتون أو بعض الصور والأعلام وتلك اللافتات التي تدعوا لإزالة الظلم وإحلال السلام.
 مما جمع حولهم العديد من المؤمنين بفكرهم وجلب تجاههم المتضامنين من جميع أنحاء العالم حتى من إسرائيل نفسها ليشاركوهم في الدفاع عن أرضهم التي شرعت آليات الإحتلال بتدميرها وإقتلاع أشجارها، ولأن الأرض هي الوطن وهي الإرث الذي حمله الأبناء عن الأجداد ولأنها المأوى الأخير بعد إنتهاء العمر دافع باسم ورفاقه عنها بكل ما يحملوه من إيمان بأن الظلم لا بد له من نهاية ، ورفضاً لفكرة منح المستعمر شرعية بالسكوت عنه.
 ثار باسم ورفاقه بنبل التسامح ورقي فكرة السلام فكانوا يأتون الجنود بالأعلام والزهور وأصوات الأهازيج فيستقبلوهم بوابل من قنابل الغاز المسيلة للدموع أو ينهالون عليهم ضرباً بالهراوات وأكعاب البنادق دون رحمة ، ومع مرور الأيام تعرض باسم للضرب المبرح مرات عدة خلال مشاركته في المسيرات الإسبوعية.
 إلا أن السابع عشر من شهر نيسان لعام 2009م  كان الحدث الأبرز والأخير في حياة موكلي، عندما  إنطلق باسم ورفاقه ومن صاحبهم من متضامنين أجانب وإسرائيليين في مسيرتهم السلمية الأسبوعية يحملون الأعلام واللافتات مرددين بعض الأهازيج والأغاني الشعبية أثناء توجههم للأراضي المدمرة ليستقبلهم الجنود كعادتهم بقنابل الغاز بعدوانية منقطعة النظير حتى هيأ للناس أن السماء تمطر قنابلاً محاولين تفريقهم والنيل من عزيمتهم ، وهنا وقف باسم على تلة قريبة من الجدار وبدأ بالنداء على جنود الإحتلال بالعبرية من مسافة تمكنهم من سماع ندائه بشكل واضح ، مؤكداً لهم بأن مسيرتهم سلمية كسابقاتها لكي لا يطلقوا النار، ويطلب منهم الإنتظار.
 بدأ باسم ينادي رفاقه ليعودوا أدراجهم لشعوره بخطر داهم يهدد حياتهم إلا أن توحد جنود الإحتلال العسكري مع دورهم البغيض المتأصل في دور الجلاد والقاتل ، والمحتل المغتصب للأرض أبت أن تفارقهم وأصروا على إغتيال باسم بإطلاق قنبلة غاز ذات مدى مضاعف بشكل مباشر على صدره من مسافة قريبة لا تتجاوز الثلاثين متراً  أسفرت عن حدوث فتحة في صدره ونزيف داخلي ليسقط باسم عن التلة معانقاً الأرض التي لطالما دافع عنها
 ليس هذا وحسب بل وقام جنود الإحتلال بإطلاق وابل من قنابل الغاز بالقرب من المكان الذي سقط فيه الأمر الذي أعاق نقله لسيارة الإسعاف وتقديم الإسعافات الأولية له مما أدى إلى إستشهاده .
وعلى الرغم من أن ثلاثة أفلام فيديو صُّورت المظاهرة وأثبتت أّن باسم كان يقف عند الجانب الشرقي من الجدار ولم تبدر عنه ممارسات عنيفة فلم يقم برشق حجارة ولم يلمس الجدار ولم يشكل خطًرا على الجنود بأيّ طريقة كانت.
بالإضافة لوجود مذكرة حضّرها مختصون أجانب قاموا فيها بتحليل الأفلام التي توثق الحادثة ٬ حيث قضوا بأّن إطلاق النار جرى بتصويب مباشر وأن الجندي لو قام بإطلاق القنبلة كما تستوجب تعليمات إطلاق النار لسقطت على بعد مئات الأمتار وراء باسم في ظل هذا المعطى وحقيقة عدم تعرض الجنود الذين كانوا في الموقع لأيّ خطر كان ٬ فإّن إطلاق النار على باسم كان أمًرا جنائيًا يوجب تقديم مطلق النار والمسؤولين عنه إلى المحاكمة .
إلا أن النائب العام العسكري السابق رفض في البداية فتح تحقيق في الحادثة لدى الشرطة العسكرية متجاهلاً كل التوثيقات الموجود ومستنداً إلى رواية التحقيق الميداني التي لفقها جنود الاحتلال بأن القنبلة ارتطمت بالسياج وغيرت مسارها والتي أثبتت تقارير المختصين عكسها .
وبعد إلتماس قدمته والدة الشهيد في آذار 2013 لمحكمة العدل العليا طالبت فيه بإلزام النائب العسكري بإتخاذ قرار في الملف وتقديم الجندي المسؤول عن إطلاق النار للمحاكمة وتحديد مداولة عاجلة إلا أن تصرف المحكمة كان يثبت بأن هناك امتناع عن اتخاذ القرار من قبل المحكمة بحجة أن الشرطة وحرس الحدود لا يتحملون مسؤولية جنائية حتى ولو أطلقوا النار وقتلوا المتظاهرين في رسالة استهتار بحياة المدنيين الفلسطينيين وإخفاءاً الحقيقة التي تدركها هيئة المحكمة إدراكاً تاماً لتبرهن عن نظام قضائي لا يحترم قيمة الانسان ويستهتر بأبسط حقوقه في الحياة.
 وبعد أربعة أعوام من المماطلة وبالتحديد في أيلول 2013 قرر النائب العسكري الرئيسي الجنرال داني عفروني إغلاق ملف التحقيق لعدم كفاية الأدلة وشطب الإلتماس المقدم من والدة الشهيد على الرغم من وجود ثلاث أفلام فيديو صورت الحادث والعديد من الصور والتقارير الطبية والمستندات القانونية وآراء الخبراء التي تدين المجرمين ولكن على ما يبدو أن كل هذا لم يقنع النائب العسكري بهول جريمة جنوده معطياً إياهم الضوء الأخضر لإستكمال جرائمهم العدائية على هذه الأرض.
 في نهج قضائي منحاز هو ذاته الذي حرم أخت الشهيد جواهر أبو رحمة من محاكمة عادلة عندما إغتالتها ذات أداة القتل التي اغتالت أخيها في الاول من كانون الثاني لعام 2011  ورغم كل التقارير الطبية وشهادة الشهود والأطباء المشرفين التي تثبت بشكل قاطع بأن سبب وفاتها الناجم عن اختناقها بقنابل الغاز المسيلة للدموع إلا أن جيش الاحتلال لديه دائما كليشيهات متشابهة يستعملها للتستر على جرائمه البشعة .
السادة أصحاب الشرف ..
لم يكن العرض السالف مقتطف من رواية إبتدعها شكسبير من محض خياله مضيفاً رؤيته التشويقية للنص بل هي تجسيد لمعاناة أم فلسطينية قد تكون اختلطت تفاصيلها بتفاصيل رسالة إميل زولا التي أتهمت أعلى مراتب الجيش بتعطيل سير العدالة ومعاداة السامية حين أدانت تعسفاً ألفريد دريفوس في قضية أثارت الشارع الفرنسي.
 وهنا التاريخ يعيد نفسه أيها السادة دونما صوت يصرخ بالحقيقة لتتجرع أم الشهداء السيدة صبحية أبو رحمة مرارة فقدان الإبن فالإبنة وعلقم ظلم منابر القضاء الإسرائيلية مستلهمةً من وحي الألم طريقة لتخليد ذكرى ولديها بذات أداة القتل التي أودت بحياتهما مقتلعة سم الموت من قنابل الغاز المسيلة للدموع لتغرسها بالورود في رسالة للعالم أجمع من شعب يعشق السلام ويحب الحياة إذا ما تركت له آلة الإحتلال العسكري إليها سبيلا.
وبهذا سادتي استكملت أجهزة القضاء الإسرائيلية مسلسل الظلم الذي بدأه جنودها مانحة إياهم طوق النجاة وممهدة لهم الطريق للإفلات من العقوبة مرة تلو أخرى ليزداد الظلم ظلماً.
السادة أصحاب الشرف ..
حضرة المحلفين الأجلاء ..
إن ما تعرضت له عائلة أبو رحمة من قتل وتعذيب ومعاملة غير إنسانية تشكل إنتهاكا صارخا لكافة المواثيق الدولية وخرقاً لقواعد القانون الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان والتي أجملها فيما يلي :
أولاً : لقد قامت قوات الإحتلال الإسرائيلي بانتهاك حق مقدس كفلته كل القوانين الإلهية والوضعية هو الحق في الحياة ، والذي نصت عليه الفقرة الأولى من المادة السادسة للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية مستنداً لنص المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ثانياً: إن حرمان موكلي من إجراء محاكمة عادلة وتبرئة قاتليهم من المحاكمة العادلة  تتعارض مع نص الفقرة الأولى من المادة الرابعة عشرة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وكذلك نص المادة السابعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .
ثالثاً : التمييز العنصري الواضح  في محاكمة موكلي وطريقة  التعامل مع الفلسطينيين الذين يطالبون بحقوقهم  يتعارض  مع المادة عشرين من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والمادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .
رابعا: لقد خالفت قوات الاحتلال نص المادة الحادية والعشرين من العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية والمادة عشرين من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تنص على ان " لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية" .
السادة أصحاب الشرف ..
بناء على ما تقدم وإنطلاقاً من الإلتزمات الإنسانية التي تفرضها المواثيق والمعاهدات الدولية ورغم قناعتنا الراسخة بأن كل أحكام الدنيا لن تستطيع تعويض أم الشهيدين ذاك الحنين والدفئ الذي يكتنفها لحظة عناقهما إلا أن قواعد العدالة السمواية و الإنسانية ترفض أن يبقى جرح السيدة صبحية أبو رحمة غائراً محاولة حبس الدموع التي تنهمر رغماً عنها لقناعة لديها بأن الدموع ستفقدها ثواب الصبر على فقدانهما يوم القيامة .
 ولكي لا نسمح بأن يستكمل القضاء جريمة المحتل في دولة تشربت الحقد والكراهية على شعب يملك التاريخ والأرض ويدافع عنها بالنشيد والهتاف،  فتنتهك حقوقه وتستباح دمائه وإذا ما حاول توخي عدالة قاتِلِهِ سلط عليه سياط استبداده في قضاء مجير ، لهذا كله ولأنكم أصحاب إختصاص في نظر هذه الدعوى نطلب من عدالتكم ما يلي :
أولاً : محاكمة دولة إسرائيل لخرقها قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان ولإرتكابها جرائم بحق أبناء الشعب الفلسطيني .
ثانياً : محاكمة قادة وقضاة الإحتلال العسكري الإسرائيلي الذين مارسوا التمييز العنصري في الأحكام الصادرة عنهم لكي لا يبقى القتلة ومرتكبي الجرائم بحق الفلسطينيين دون عقاب .
ثالثاً : فرض رقابة دولية دائمة على المحاكم العسكرية الإسرائيلية واحكامها الصادرة  بحق اي فلسطيني لإيقاف المهازل القضائية المستمرة على منابر القضاء الإسرائيلي.
رابعاً : إلزام إسرائيل باحترام قواعد القانون الدولي في التعامل مع المقاومة الشعبية السلمية لتضمن سلامة أكثر للمواطنين والمتظاهرين الفلسطينيين.
 سادتي أصحاب الشرف .. 
في الختام يوجب علي ذاك الإحساس الدفين المدعو ضميراً أن أخبركم بأن هذه القضية ليست قضية أم الشهيدين أبو رحمة وحدها بل هي قضية مئات الأمهات الفلسطينيات الاتي يشاهدن يومياً أمامهم تعرض أبنائهن للقتل والتعذيب وهدم منازلهم وتشريدهم منها على يد آلة الإحتلال العسكرية.
إن ما تعرضت له عائلة أبو رحمة وغيرها من العائلات الفلسطينية  في إبتداع أساليب إلحاق الضرر والأذى بهم سواء كان على يد الجنود أم على منابر القضاء يستحق من العالم وقفة جادة تجاه كافة الانتهاكات الاجرامية والعنصرية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني بشكل خاص ، وكافة الشعوب المتهضة في هذا العالم بشكل عام.
وهنا يستحضرني قول أبو قاسم الشابي :
" إذا الشعــب يومــا أراد الحيــاة فلا بـــد أن يستجيب القــدر
ولا بـــد لليــــل أن ينجلـــي ولابـــــد للقيـــــد أن ينكســـــر"


هذه المرافعة هي توثيق لإغتيال الناشط في المقاومة الشعبية الشهيد باسم أبو رحمة الذي استشهد في أحداث مقاومة الجدار في قرية بلعين بتاريخ 17/4/2009م.

 المحامي              
               محمد ربيع






logo
تطوير المواقع والبرمجة وامن المعلوميات
  • فيسبوك
  • تويتر
  • انستغرام
  • اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد

    مواضيع ذات صلة

    فتح التعليقات
    إغلاق التعليقات

    0 الرد على "صك غفران لقاتل ! "

    إرسال تعليق

    اعلان اعلى المواضيع

    header ads

    اعلان وسط المواضيع 1

    header ads

    اعلان وسط المواضيع 2

    header ads

    اعلان اسفل المواضيع

    header ads